شمريات (54)
تكنولوجيا الظهور { الجزء الحادي عشر }
فخير لباس كل زمان لباس أهله
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم
في مقدمة التوطئة البحثية للولوج في البحث يجب ان يكون تفكيركم متحضر لكي تفهموا ان اللباس شئ مهم في الوقت ان الدين ليس لباس تراثي وخرافات واساطير بل هو حضارة وثقافة ومعرفة وعلم واخلاق وغيره من النبل ....
فكان رسول الله صل الله عليه واله يلبس احسن الثياب ويلبس ثياب قومه وهذا طبعا لا يدل على انه غير زاهد حيث ان هنالك احاديث تؤكد ان ( افضل الزهد اخفائه ) فالفقير الذي يخفي فقره بالتعفف افضل من غني يلبس لباس الفقير وكون ان الخشن من اللباس والقصير منه اتخذ نهجآ للصوفية حيث اعتنوا بالظاهر وهو الزهد باللباس وهذا لا يدل على زهد بل رياء وتصنع وافضل من كل ذلك هو الزهد الذي ذكره الله في كتابه الجليل
لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
وهذه دلالة بينة وجلية في اختصار الزهد في كلمتين ...
اما الأسلام هو لا افراط ولا تفريط اي لا افراط كالصوفية بالشعور واللحى والقصير من اللباس
ولا تفريط اي لباس الشهرة والفخر والتكبر وادعاء الربوبية المادية ...
واليكم الروايات ...
عن الرسول ( صلى الله عليه و أله و سلم ) :
ـ إذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله و كرامته عليك .
ـ حسنوا لباسكم و اصلحوا رحالكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس .
ـ ان الله طيب يحب الطيب و نظيف يحب النظافة .
المصدر / الأحاديث من نهج الفصاحة / كلمات رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم .
و في سيرته ( صلى الله عليه و أله و سلم ) نجد من الأحاديث :
ـ انه كان يحب الدهن و يكره الشعث وكان ينظر في المراة و يرجل جمته و يمشط ، و ربما نظر في الماء و سوى جمته فيه و لقد كان يتجمل لاصحابه فضلا عن تجمله لأهله و يقول : ( إن الله تعالى يحب من عبده إذا خرج إلى اخوانه ان يتهيأ لهم و يتجمل ) و كان يلبس الشملة يأتزر بها و يلبس النمرة يأتزر بها فيحسن عليه النمرة لسوادها على بياض ما يبدو من ساقيه و قدميه ، و قيل لقد قبضه الله عز و جل و ان له لنمرة تنسج في بني الاشهل ليلبسها ، و قالت عائشة عنه ( صلى الله عليه و أله و سلم ) لقد لبس جبة صوف و عمامة صوف ثم خرج فخطب الناس على المنبرفما رأيت شيئا مما خلق الله احسن منه فيها .
المصدر / بحار الأنوار : 16 / 247 .
و عن امير المؤمنين ( عليه السلام ) انه قال : ليتزين احدكم لأخيه المسلم كما يتزين للغريب الذي يحب ان يراه في أحسن الهيئة .
الاداب و السنن لآية الله الشيرازي : 233 .
و نقل ان الأمام الحسن ( عليه السلام ) اغتسل و خرج من داره في حلة فاخرة و بزة طاهرة و محاسن سافرة و وجهه يشرق حسنا ، و شكله قد كمل صورة و معنى ، و الاقبال يلوح من اعماقه و نضرة النعيم تعرف في اطرافه و قاضي القدر قد حكم ان السعادة من اوصافه ثم ركب بغلة فارهة غير قطوف و سار مكتنفا من حاشيته و غاشيته بصفوف . .
فعرض له قوم من محاويج اليهود ، هم في هدم ( ثوب مرقع ) قد انهكته العلة و ارتكبته الذلة و اهلكته القلة و جلده يستر عظامه و ضعفه يقيه اقدامه . . فاستوقف الحسن ( عليه السلام ) و قال : يا ابن رسول الله انصفني !!
فقال : من اي شيء ؟! قال : جدك يقول : الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر و انت مؤمن و أنا كافر فما ارى الدنيا إلا جنة لك تتنعم بها و تستلذ فيها وما أراها إلا سجنا لي قد اهلكني ضرها و اتلفني فقرها .
فاجابه الإمام ( عليه السلام ) : لو نظرت الى ما اعد الله لي و للمؤمنين في الاخرة مما لا عين رأت و لا أذن سمعت لعلمت اني قبل انتقالي اليه في هذه الدنيا في سجن ضنك و لو نظرت الى ما اعد الله لك و لكل كافر في الدار الاخرة من سعير نار الجحيم و نكال العذاب المقيم ، لرأيت انك قبل مصيرك اليه الآن في جنة واسعة و نعمة جامعة .
عوالم العلوم / الإمام الحسن : 106
إلا ان الأحاديث ترد ا ؟ صر عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) و حفيده الرضا ( عليه السلام ) بحيث و حول الى قضية اجتماعية ، يسأل عنها الكثير ، فهذا عباد يحتج على الإمام الصادق ( عليه السلام ) في لبسه الأنيق الناعم مع ان جده امير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يلبس الخشن ، و ذاك سفيان الثوري كذلك ، و يرد عليه جمع من الصوفية فيحتجون عليه ، و هكذا الحال بالنسبة لسفيان بن عيينة ، و كذلك الإمام الرضا ( عليه السلام ) حيث يشير في حديث مروي عنه إلى ان رغبة بعض شيعته ان شرك التانق ليلبس الخشن حتى تظهر عنده الإمامة اكثر !!
فعن الصادق ( عليه السلام ) إن الله يحب الجمال و التجمل و يكره البؤس و التباؤس فإن الله عز وجل إذا أنعم على احد نعمة احب ان يرى عليه اثرها ، قيل : و كيف ؟ قال ( عليه السلام ) : ينظف ثوبه و يطيب ريحه ، و يحسن ( او يجصص ) داره و يكنس أفنيته حتى ان السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر و يزيد في الرزق .
بحار الأنوار : 76 : 300
و قال ( عليه السلام ) في جواب سفيان الثوري بعد ان قال للإمام : انت تروي أن علي بن ابي طالب كان يلبس الخشن و انت تلبس القوهي و المروي ؟! قال الصادق ( عليه السلام ) ويحك إن علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) كان في زمان ضيق فإذا اتسع الزمان فابرار الزمان اولى به .
بحار الأنوار : 76 / 307
و يبين قاعدية الزمان في تحديد اللباس المناسب ما لم يؤد الى محرم بقوله ( عليه السلام ) ( خير لباس كل زمان لباس أهله ) .
و الذي يظهر انه كانت هناك ازمة فهم لدى بعض المسلمين سواء من شيعة الأئمة أو من غيرهم ، تنتهي الى انه من اراد التدين و الصلاح فعليه ان يتظاهر بلبس الصوف و الثياب الخشنة و أن من يلبس الحسن من الثياب لا يصلح لمقام القيادة الدينية ، و أظن أن هذه الازمة جلبها رواج سوق الصوفية في تلك الفترة ، لذلك فبينما الإمام الصادق يطوف و إذا بعباد بن كثير البصرى يجذب ثوبه و يقول : يا جعفر بن محمد تلبس مثل هذه الثياب ( الجميلة ) و انت في هذا الموضع مع المكان الذي انت فيه من علي ( عليه السلام ) فقال له : ويحك هذا ثوب قوهي اشتريته بدينار و كسر و كان علي ( عليه السلام ) في زمان يستقيم له ما لبس و لو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا هذا لقال الناس : هذا مراء مثل عباد
بحار الأنوار : 76 / 316
و لعلنا نستطيع القول ان المعصومين ( عليهم السلام ) لو كانوا يعملون ضمن معادلة الحياة الشخصية فقط لكان التناغم قائما بين ما يملكونه من حقيقة الزهد ـ كما تقدم ـ و بين ما يخفونه من مظاهر الزهد ، و هذا مفاد كثير من الأحاديث فالرضا ( عليه السلام ) كان يجلس في الصيف على حصير و فى الشتاء على مسح و لبسه الغليظ . . هذا في حياته الشخصية فإذا برز للناس ( في حياته الاجتماعية ) تزين لهم . . و ربما يكون السبب في ذلك هو قطع الطريق على الافكار الخاطئة لجماعات الصوفية التي ارادت ان تحول الاسلام بتعاليمه الحياتية و قيمه الحضارية في العلم و التقدم و الرفاه ، الى ثوب قصير مرقوع و الى شعر اشعث و تنسى الاسس الاصلية ، فهم يركزون على الثوب الخلق و لا ينظرون الى تمزق احكام الدين بيد الظلمة و الفسقة . . و هم يقيمون المظاهر و شمقطون الحقائق و في هذا المجال فان المعصومين كانوا يوجهون الى ان المطلوب من الإمام و الحاكم ليس ثوبه بل المطلوب عدله ، و ليس المطلوب مظهره المتزهد بل تطابق عمله مع نظريته و شعوره مع شعاره .
الثالثة : إن بعض الممارسات التي كان يقوم بها المعصومون ( عليهم السلام ) إنما كانت في اطار التعليم و التربية لمن يشهد الحدث معهم او لمن يسمع عنه بعدهم ، و إلا فكيف يمكن تصور ان الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) يحدث له الغرور و التكبر حتى يخرج من شخصيته الى شخصية أخرى لو لم يكن الأمر للتعليم خصوصا انه كان يلبس الجبة الخز بخمسمائة درهم و المطرف الخز بخمسين دينارا فيشتو فيه فإذا خرج الشتاء باعه و تصدق بثمنه و تلا ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ... ﴾ 20 21 فكيف يمكن الجمع بين هذا و ذاك لولم يكن للتعليم .
و يعتقد ان كثيرا من ممارسات امير المؤمنين ( عليه السلام ) كانت لاجل تعديل الميل الذي حصل ايام من سبقه من طغيان المال ، و زيادة الترف ، و كانت ادانة ضمنية لكل السياسات المالية الخاطئة التي كانت حاكمة ، و لو لم يقم الإمام ( عليه السلام ) بذلك لتحولت الى قاعدة ثابتة في الدين و لعل هذا احد معاني توجيه الأئمة ( عليهم السلام ) الى خصوصية الزمان في حياة امير المؤمنين ( عليه السلام ) و مدخليته في كون لباسه و ثيابه بتلك الصورة المعروفة .
و هنا نشير الى ملاحظة هامة هي ان هناك مجموعة كبيرة و احيانا متباينة من القيم و دور الإمام هو تشخيص القيمة المناسبة للزمان .
فكما تبين لنا ان للزي واللباس اهمية ومراعات من قبل الأئمة صلوات الله عليهم اجمعين فهم اهل المثالية في كل شئ فلباسهم في زماننا يتجسد في الزي العصري الذي يرتيديه اهل زماننا كما اشارت اليه الرواية الشريفة وبذلك يكون اللباس الرسمي هو لباسهم واما الزي الحوزوي او غيرخ هذا مجرد رمز يستخدمه كتعبير وتمييز لهم على بقية الناس اما لباس اهل البيت لم يكن يختلف عن لباس قومهم ولم يكن رسول الله ليميز نفسه عن غيره في لباس او مأكل او مشرب او جلسة ..
بل وحتى زي الحرب له عصريته في زماننا فالدرع الذي كان يستخدم للسيف او للوقاية من النبال والسهام الأن لا يمكن لهم ان يتخذوه في زماننا
اما زمننا وعصرنا فإن متطلباته تستلزم العصرية واللباس العصري الحديث وهذا ما يؤكده الدين انه انه يناسب كل العصور وكل الأزمنة وذلك لحداثة افية اما اك تريد ان تطبق الدين بكل تفاصيله وتجعل نصوصه التي خصت بالعصور الجليدية العصور المسمات بصدر الأسلام يضن ان العصور كلها تعمل عليها النصوص التراثية التي لا تعمل في كل الأزمنة ...
فيجب على كل زمان ان يعاصر زمانه وكذلك فعلوا الأئمة عليهم السلام والأنبياء كلهم عاملوا قومهم بعصرية ولبسوا لباسهم فيوسف عليه السلام قد ترك لباس قومه ولبس لبس الفراعنة وهذا لم يضر كونه نبي بل ان الأنبياء جائوا بالمثالية في كل شئ حتى باللباس وكذلك سوف يفعل الأمام المهدي عليه السلام ...
ونسأل الله التوفيق ونسألكم الدعاء
اخوكم حسين الشمري
تكنولوجيا الظهور { الجزء الحادي عشر }
فخير لباس كل زمان لباس أهله
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم
في مقدمة التوطئة البحثية للولوج في البحث يجب ان يكون تفكيركم متحضر لكي تفهموا ان اللباس شئ مهم في الوقت ان الدين ليس لباس تراثي وخرافات واساطير بل هو حضارة وثقافة ومعرفة وعلم واخلاق وغيره من النبل ....
فكان رسول الله صل الله عليه واله يلبس احسن الثياب ويلبس ثياب قومه وهذا طبعا لا يدل على انه غير زاهد حيث ان هنالك احاديث تؤكد ان ( افضل الزهد اخفائه ) فالفقير الذي يخفي فقره بالتعفف افضل من غني يلبس لباس الفقير وكون ان الخشن من اللباس والقصير منه اتخذ نهجآ للصوفية حيث اعتنوا بالظاهر وهو الزهد باللباس وهذا لا يدل على زهد بل رياء وتصنع وافضل من كل ذلك هو الزهد الذي ذكره الله في كتابه الجليل
لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
وهذه دلالة بينة وجلية في اختصار الزهد في كلمتين ...
اما الأسلام هو لا افراط ولا تفريط اي لا افراط كالصوفية بالشعور واللحى والقصير من اللباس
ولا تفريط اي لباس الشهرة والفخر والتكبر وادعاء الربوبية المادية ...
واليكم الروايات ...
عن الرسول ( صلى الله عليه و أله و سلم ) :
ـ إذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله و كرامته عليك .
ـ حسنوا لباسكم و اصلحوا رحالكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس .
ـ ان الله طيب يحب الطيب و نظيف يحب النظافة .
المصدر / الأحاديث من نهج الفصاحة / كلمات رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم .
و في سيرته ( صلى الله عليه و أله و سلم ) نجد من الأحاديث :
ـ انه كان يحب الدهن و يكره الشعث وكان ينظر في المراة و يرجل جمته و يمشط ، و ربما نظر في الماء و سوى جمته فيه و لقد كان يتجمل لاصحابه فضلا عن تجمله لأهله و يقول : ( إن الله تعالى يحب من عبده إذا خرج إلى اخوانه ان يتهيأ لهم و يتجمل ) و كان يلبس الشملة يأتزر بها و يلبس النمرة يأتزر بها فيحسن عليه النمرة لسوادها على بياض ما يبدو من ساقيه و قدميه ، و قيل لقد قبضه الله عز و جل و ان له لنمرة تنسج في بني الاشهل ليلبسها ، و قالت عائشة عنه ( صلى الله عليه و أله و سلم ) لقد لبس جبة صوف و عمامة صوف ثم خرج فخطب الناس على المنبرفما رأيت شيئا مما خلق الله احسن منه فيها .
المصدر / بحار الأنوار : 16 / 247 .
و عن امير المؤمنين ( عليه السلام ) انه قال : ليتزين احدكم لأخيه المسلم كما يتزين للغريب الذي يحب ان يراه في أحسن الهيئة .
الاداب و السنن لآية الله الشيرازي : 233 .
و نقل ان الأمام الحسن ( عليه السلام ) اغتسل و خرج من داره في حلة فاخرة و بزة طاهرة و محاسن سافرة و وجهه يشرق حسنا ، و شكله قد كمل صورة و معنى ، و الاقبال يلوح من اعماقه و نضرة النعيم تعرف في اطرافه و قاضي القدر قد حكم ان السعادة من اوصافه ثم ركب بغلة فارهة غير قطوف و سار مكتنفا من حاشيته و غاشيته بصفوف . .
فعرض له قوم من محاويج اليهود ، هم في هدم ( ثوب مرقع ) قد انهكته العلة و ارتكبته الذلة و اهلكته القلة و جلده يستر عظامه و ضعفه يقيه اقدامه . . فاستوقف الحسن ( عليه السلام ) و قال : يا ابن رسول الله انصفني !!
فقال : من اي شيء ؟! قال : جدك يقول : الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر و انت مؤمن و أنا كافر فما ارى الدنيا إلا جنة لك تتنعم بها و تستلذ فيها وما أراها إلا سجنا لي قد اهلكني ضرها و اتلفني فقرها .
فاجابه الإمام ( عليه السلام ) : لو نظرت الى ما اعد الله لي و للمؤمنين في الاخرة مما لا عين رأت و لا أذن سمعت لعلمت اني قبل انتقالي اليه في هذه الدنيا في سجن ضنك و لو نظرت الى ما اعد الله لك و لكل كافر في الدار الاخرة من سعير نار الجحيم و نكال العذاب المقيم ، لرأيت انك قبل مصيرك اليه الآن في جنة واسعة و نعمة جامعة .
عوالم العلوم / الإمام الحسن : 106
إلا ان الأحاديث ترد ا ؟ صر عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) و حفيده الرضا ( عليه السلام ) بحيث و حول الى قضية اجتماعية ، يسأل عنها الكثير ، فهذا عباد يحتج على الإمام الصادق ( عليه السلام ) في لبسه الأنيق الناعم مع ان جده امير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يلبس الخشن ، و ذاك سفيان الثوري كذلك ، و يرد عليه جمع من الصوفية فيحتجون عليه ، و هكذا الحال بالنسبة لسفيان بن عيينة ، و كذلك الإمام الرضا ( عليه السلام ) حيث يشير في حديث مروي عنه إلى ان رغبة بعض شيعته ان شرك التانق ليلبس الخشن حتى تظهر عنده الإمامة اكثر !!
فعن الصادق ( عليه السلام ) إن الله يحب الجمال و التجمل و يكره البؤس و التباؤس فإن الله عز وجل إذا أنعم على احد نعمة احب ان يرى عليه اثرها ، قيل : و كيف ؟ قال ( عليه السلام ) : ينظف ثوبه و يطيب ريحه ، و يحسن ( او يجصص ) داره و يكنس أفنيته حتى ان السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر و يزيد في الرزق .
بحار الأنوار : 76 : 300
و قال ( عليه السلام ) في جواب سفيان الثوري بعد ان قال للإمام : انت تروي أن علي بن ابي طالب كان يلبس الخشن و انت تلبس القوهي و المروي ؟! قال الصادق ( عليه السلام ) ويحك إن علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) كان في زمان ضيق فإذا اتسع الزمان فابرار الزمان اولى به .
بحار الأنوار : 76 / 307
و يبين قاعدية الزمان في تحديد اللباس المناسب ما لم يؤد الى محرم بقوله ( عليه السلام ) ( خير لباس كل زمان لباس أهله ) .
و الذي يظهر انه كانت هناك ازمة فهم لدى بعض المسلمين سواء من شيعة الأئمة أو من غيرهم ، تنتهي الى انه من اراد التدين و الصلاح فعليه ان يتظاهر بلبس الصوف و الثياب الخشنة و أن من يلبس الحسن من الثياب لا يصلح لمقام القيادة الدينية ، و أظن أن هذه الازمة جلبها رواج سوق الصوفية في تلك الفترة ، لذلك فبينما الإمام الصادق يطوف و إذا بعباد بن كثير البصرى يجذب ثوبه و يقول : يا جعفر بن محمد تلبس مثل هذه الثياب ( الجميلة ) و انت في هذا الموضع مع المكان الذي انت فيه من علي ( عليه السلام ) فقال له : ويحك هذا ثوب قوهي اشتريته بدينار و كسر و كان علي ( عليه السلام ) في زمان يستقيم له ما لبس و لو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا هذا لقال الناس : هذا مراء مثل عباد
بحار الأنوار : 76 / 316
و لعلنا نستطيع القول ان المعصومين ( عليهم السلام ) لو كانوا يعملون ضمن معادلة الحياة الشخصية فقط لكان التناغم قائما بين ما يملكونه من حقيقة الزهد ـ كما تقدم ـ و بين ما يخفونه من مظاهر الزهد ، و هذا مفاد كثير من الأحاديث فالرضا ( عليه السلام ) كان يجلس في الصيف على حصير و فى الشتاء على مسح و لبسه الغليظ . . هذا في حياته الشخصية فإذا برز للناس ( في حياته الاجتماعية ) تزين لهم . . و ربما يكون السبب في ذلك هو قطع الطريق على الافكار الخاطئة لجماعات الصوفية التي ارادت ان تحول الاسلام بتعاليمه الحياتية و قيمه الحضارية في العلم و التقدم و الرفاه ، الى ثوب قصير مرقوع و الى شعر اشعث و تنسى الاسس الاصلية ، فهم يركزون على الثوب الخلق و لا ينظرون الى تمزق احكام الدين بيد الظلمة و الفسقة . . و هم يقيمون المظاهر و شمقطون الحقائق و في هذا المجال فان المعصومين كانوا يوجهون الى ان المطلوب من الإمام و الحاكم ليس ثوبه بل المطلوب عدله ، و ليس المطلوب مظهره المتزهد بل تطابق عمله مع نظريته و شعوره مع شعاره .
الثالثة : إن بعض الممارسات التي كان يقوم بها المعصومون ( عليهم السلام ) إنما كانت في اطار التعليم و التربية لمن يشهد الحدث معهم او لمن يسمع عنه بعدهم ، و إلا فكيف يمكن تصور ان الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) يحدث له الغرور و التكبر حتى يخرج من شخصيته الى شخصية أخرى لو لم يكن الأمر للتعليم خصوصا انه كان يلبس الجبة الخز بخمسمائة درهم و المطرف الخز بخمسين دينارا فيشتو فيه فإذا خرج الشتاء باعه و تصدق بثمنه و تلا ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ... ﴾ 20 21 فكيف يمكن الجمع بين هذا و ذاك لولم يكن للتعليم .
و يعتقد ان كثيرا من ممارسات امير المؤمنين ( عليه السلام ) كانت لاجل تعديل الميل الذي حصل ايام من سبقه من طغيان المال ، و زيادة الترف ، و كانت ادانة ضمنية لكل السياسات المالية الخاطئة التي كانت حاكمة ، و لو لم يقم الإمام ( عليه السلام ) بذلك لتحولت الى قاعدة ثابتة في الدين و لعل هذا احد معاني توجيه الأئمة ( عليهم السلام ) الى خصوصية الزمان في حياة امير المؤمنين ( عليه السلام ) و مدخليته في كون لباسه و ثيابه بتلك الصورة المعروفة .
و هنا نشير الى ملاحظة هامة هي ان هناك مجموعة كبيرة و احيانا متباينة من القيم و دور الإمام هو تشخيص القيمة المناسبة للزمان .
فكما تبين لنا ان للزي واللباس اهمية ومراعات من قبل الأئمة صلوات الله عليهم اجمعين فهم اهل المثالية في كل شئ فلباسهم في زماننا يتجسد في الزي العصري الذي يرتيديه اهل زماننا كما اشارت اليه الرواية الشريفة وبذلك يكون اللباس الرسمي هو لباسهم واما الزي الحوزوي او غيرخ هذا مجرد رمز يستخدمه كتعبير وتمييز لهم على بقية الناس اما لباس اهل البيت لم يكن يختلف عن لباس قومهم ولم يكن رسول الله ليميز نفسه عن غيره في لباس او مأكل او مشرب او جلسة ..
بل وحتى زي الحرب له عصريته في زماننا فالدرع الذي كان يستخدم للسيف او للوقاية من النبال والسهام الأن لا يمكن لهم ان يتخذوه في زماننا
اما زمننا وعصرنا فإن متطلباته تستلزم العصرية واللباس العصري الحديث وهذا ما يؤكده الدين انه انه يناسب كل العصور وكل الأزمنة وذلك لحداثة افية اما اك تريد ان تطبق الدين بكل تفاصيله وتجعل نصوصه التي خصت بالعصور الجليدية العصور المسمات بصدر الأسلام يضن ان العصور كلها تعمل عليها النصوص التراثية التي لا تعمل في كل الأزمنة ...
فيجب على كل زمان ان يعاصر زمانه وكذلك فعلوا الأئمة عليهم السلام والأنبياء كلهم عاملوا قومهم بعصرية ولبسوا لباسهم فيوسف عليه السلام قد ترك لباس قومه ولبس لبس الفراعنة وهذا لم يضر كونه نبي بل ان الأنبياء جائوا بالمثالية في كل شئ حتى باللباس وكذلك سوف يفعل الأمام المهدي عليه السلام ...
ونسأل الله التوفيق ونسألكم الدعاء
اخوكم حسين الشمري
تعليقات
إرسال تعليق